الاثنين، 19 يوليو 2010

النظرة الأولى

ماتت في محراب عينكِ.. ابتهالاتي..
و استسلمت لرياح اليائس راياتي..
جفت على بابك الموصود أزمنتي..
ليلى وما أثمرت شيئا نداءاتي ..


كثيرا هم الذين وصفوا العين بالمحراب..وكثيرا هم الذين غسلوا ذلك المحراب بسائل أسمه "دموع".. حتى يبقى نظيفا.. نعم أنها محراب الجسد..و لا أعلم وصف أدق للعين كالمحراب..فهي كالمحراب نظيفة على الدوام..تنقلنا لعالم أخر كالمحراب..إلى عالم المرئيات..كالمحراب الذي ينقلنا إلى عالم الغيبيات .. 

وقد تموت النظرة ..وقد تحيى..ولكن ماذا عن النظرة الأولى.. ماذا عن العالم الغريب إلى نقلتني إليه عيناي..أنه نظرة..فابتسامه..فلقاء.. ثم وداع..وضياع ضياع!!.. عالم الحياة فيه ليس كالحياة..والموت دونه ليس بموت..وقد تقلون مجنون في هذيانه..أو فيلسوف يشرح نظريته.. أو موسيقار يعزف مقطوعته الضائعة..أو تقلون مجرد صمت القلم"..وما راعكم قلبي المحطم..وليت العزلة تخون صاحبها في الزحام..فينظر كما تنظرون..ويسمع كما تسمعون..لكنها نظرة .. تعكس الوجود إلى فقدان..والثرثرة إلى صمت..والفكر إلى هذيان..ودمع إلا عقل لا يستطيع النسيان..نظره وليتها كانت النهاية..نهاية قلم..واحتراق ورق..نهاية مأساة وزوال الجسد..نهاية عبرة و اندثار ألم..نهاية قصة..وبداية قصة..قصة روها أديب يحتضر.. كان البطل فيها..وكان الحاكم والمحكوم عليه..كان ..ثم أصبح..ثم أنتها جثة هامدة.. فبدت قصة حزينة..و انتهت قصة حزينة.. ولم يعد الوقت يكفي لتعديلها..فقد مات الأديب هو الأخر مع أخر نقطه وضعها في أخر سطر في أخر الرواية.. ونهتها انتهت روايته..ولم يروها احد بعده..سوى مجرد نظرة ..وكانت الأولى .. الأخيرة.

السبت، 17 يوليو 2010

جثمان الصور..




جثمان الصور..





كانت عيون الجماهير القاتلة تتجه إلى الشاعر الفرنسي اللامع "بودلير" ..تلك العيون التي تخبئ خلفها عقول..تلعن..وتتهم..وتقذف..
تلك العيون التي ملئت سطور ورقة الشاعر..بوصية مؤلمة.. قبل وفاته بثمان سنين.." طلب فيها أن يوضع جثمانه في تابوت خشبي،و أن يدفن تحت التراب في أحد الغابات،وأن يوضع فوق التراب ..أوراق من شجر البلوط بصورة لا تلفت الأنظار".. نعم أنها النظرات القاتلة..النظرات الصامتة..والكل يخشى النظرات..كشاعرنا هذا..إلا أنه ظل يخشها حتى بعد موته..يخشى هذا المحكمة الطاغية..يخشى هذا القانون الذي يدينه..ولا يعلم بماذا هو محكوم عليه..ولست هنا لأطرح فلسفة جديدة..أو ألقي محاضرة في فن التعامل مع النظرات..بل هي تلك الصورة..التي تزيد من لهيب قلبي..ونزف قلمي..نعم تلك الصورة التي أحتفظ بها منذ عهد قديم..تلك الصورة التي صاحبتني في كل شيء..في كل مكان..في حزني..في فرحي..في تجوالي وسهري..في معاناتي وأرقي..حتى في دفتر مذكراتي كانت هي من يشغل دور البطولة..نعم..تلك الصورة ونظرتها الصامتة..التي لم ترمش لثانية..أو تضحك..أو حتى تنام ..وتريح وجودي من تلك المسألة..فقد باتت في غرفتي كعيون ساهرة..تراقب خطواتي..حركاتي ..هذياني..وصمتي.. بل حتى صلواتي..وصدقوني أن قلت لكم أني أخشى الرياء بصلاتي في غرفتي.. نعم..ولا أستطيع تمزيقها أو احرقها..فأنا رجل يحترف الألم..ينسج من هذا الرحيل دموع تعزف بسقوطها لحن صادق حزين..والصورة والنظرة الصامتة والدمع العاشر يرثني..والقلم هنا يكتب رسالة أخرى إلى صاحبة هذه الصورة..

أترككم مع تلك الرسالة..

""إلى صاحبة النظرات الصامتة..

أبعث إليك رسالتي,,بحزن يجرد روح من جسدها..وبصوت هامس يخشى الضياع أكثر من هذا الرحيل..أبعث إليك رسالتي مع صورتك التي بقيت منذ ذلك التاريخ..صورتك التي أضعها على حافة سريري ولا أستطيع النوم حتى أطفئ ضوء غرفتي..أنني أكره نظرتك و أحبها..أنني أحبها لاني أحبك..وأكرهها لأنها لا تتغير..لأنها لا تغضب أن غضبت..أو تبكي إن بكيت..ولا ترد قبلتي ان قبلتها..تعذبني صورتك..بصمتها وشحوبها..تشعرني أن جسم جامد..كالمقعد..كالسرير الذي أتمدد عليه..خذي صورتك وانظر لنفسك فيها..أنها مؤلمة..مؤلمة.."


رسالتي هنا لم تكتمل.. فقد مزقتها قبل أن أكتب هذا..وكم كنت أود تمزيق تلك الصورة..ولا أستطيع..لا أستطيع..سوى الكتابة على ظهرها.."أنا من قتله الرحيل..وسابقي هذه الصورة كذكرى..احتضر بها حتى الموت..نعم حتى الموت..فانا جثمان ما بقى من صور..جثمان الصور